ننتقل إلى إمامه الذي أخذ عنه أكثر
الأشاعرة المتأخرين، و
الأشاعرة لهم إمامان كبيران الأول منهما ليس
أبا الحسن الأشعري ؛ لأننا قلنا: إنه ليس على عقيدة هؤلاء
الأشاعرة ، فالأول من أئمتهم هو القاضي
أبو بكر بن الطيب الباقلاني ، فهذا هو إمامهم المتقدم.وأما إمامهم المتأخر فهو
فخر الدين الرازي صاحب
التفسير الكبير و
الأربعين و
أصول الدين وغير ذلك، وصاحب الأصول والكلام، والذي تاب عند موته ورجع إلى عقيدة السلف، وقال عبارات عظيمة ينبغي أن لا تفوتنا، وهي اعتراف من هذا الرجل الذي تبحر في كل العلوم حتى علم التنجيم وعبادة الكواكب بل وكتب فيها، وفي النهاية قال: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما وجدتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ووجدت أن أفضل الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: ((
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ))[الإخلاص:1] إلى آخره، واقرأ في النفي ((
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[الشورى:11]) فهذه طريقة القرآن، إثبات مفصل واضح جلي لا يحتاج إلى تأويل، ونفي مجمل أيضاً لا يحتاج إلى تفكير، بل هو واضح في تنزيه الله تبارك وتعالى وتقديسه.وهذا
الرازي له كتاب ضخم جداً، وهو الذي اعتمد عليه الأشعريون وبنوا عليه كلامهم، ومنه قالوا ما قالوه في خبر الآحاد، واسم هذا الكتاب
أساس التقديس ، وقد رد على هذا الكتاب شيخ الإسلام
ابن تيمية بكتاب بعنوان:
درء تعارض العقل والنقل ، وقد رد
شيخ الإسلام فيه على كل المتكلمين، وخص
الرازي بالذكر وقانونه (القانون الكلي) بالذكر؛ لأنه أشهر قوانينه، والقانون الكلي موجود في
أساس التقديس ، ثم نقض فيه
ابن تيمية رحمه الله كتاب
الرازي نقضاً مفصلاً في كتاب اسمه:
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ، ويختصر فيسمى:
نقض التأسيس ، ودائماً كتب
شيخ الإسلام رحمه الله أو غالباً تجد لها اسماً طويلاً واسماً موجزاً.إن الإمام
الفخر الرازي رحمه الله تاب والحمد لله مما كان يعتقد من الضلالات، وهو قد قرر في
أساس التقديس -الذي اعتمدوه وتركوا توبته ووصيته- كلاماً كلياً في أخبار الآحاد، وهذا هو الكلام الذي ينقضه
ابن تيمية وينقده بشيء من التفصيل، وبشيء من الإيجاز
ابن القيم رحمه الله في
الصواعق كما سنقرأ إن شاء الله؛ لأننا سنأتي بكلام
الرازي ثم نرد عليه حتى تتضح الأمور.قال معنوناً (كلام كلي في الآحاد): (أما التمسك بخبر الواحد في معرفة الله تعالى) يعني: فيما يتعلق بصفات الله فغير جائز، يدل عليه وجوه:الأول: أن أخبار الآحاد مظنونة) وهذا هو المحور الذي يدورون حوله: (أن أخبار الآحاد مظنونة؛ وذلك لأننا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين، وكيف و
الروافض لما اتفقوا على عصمة
علي رضي الله عنه وحده، فهؤلاء المحدثون كفروهم، فإذا كان القول بعصمة
علي كرم الله وجهه يوجب تكفير القائلين بعصمة
علي ، فكيف يمكنهم عصمة هؤلاء الرواة؟).فهو يقرر أنها غير مظنونة، لأننا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين، ثم يقرر أن
الروافض لما قالوا: إن
علياً معصوم كفرهم المحدثون، فكيف يقول المحدثون بعد ذلك: إن رواتهم معصومون؟ فاحتمال الخطأ جائز، وهذه الشبهة حول تكفير المحدثين
للروافض ؛ لأنهم يقولون بأن
علياً معصوم، ومعارضتهم بأنهم يقولون: إن الرواة معصومون هذه الشبهة باطلة، والرد عليها أن نقول: هل قال علماء الجرح والتعديل إن الرواة معصومون؟ الجواب: لا أحد منهم قال ذلك، وقد بينا هذا، فلا
مالك ، ولا
أحمد ، ولا
شعبة ، ولا
وكيع ، ولا
عبد الرحمن بن مهدي ، ولا
يحيى بن سعيد ، ولا
عبد الله بن المبارك ، ولا
يزيد بن هارون ولا غيرهم من الأئمة الثقات قيل عنه: إنه معصوم أبداً، إنما يقال: ثقة، إمام، ثبت، حافظ، متقن.. إلى آخره، أما كلمة (معصوم) فما قيلت في أحد.وقول
الرافضة: إن
علياً معصوم لا يشابه كلام المحدثين عن الرواة، والفرق بين قول: إن فلاناً معصوم وبين قول: إن فلاناً ثقة وثبت كبير جداً.والجواب أن العصمة عند
الرافضة معناها أنه لا يخطئ في شيء، وهذا لا يكون لأحد من الخلق، بل إن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم قد يقع منهم الخطأ أو خلاف الأولى في التصرفات لا في التبليغ، ولكنهم لا يقرون عليه، كأن يعملوا عملاً، كان الأولى أن يعملوا غيره، فيعاتبهم الله عليه كقوله تعالى: ((
عَبَسَ وَتَوَلَّى *
أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى ))[عبس:1-2] وقوله: ((
لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ))[الأنفال:68] في أسرى
بدر ، وقوله تعالى: ((
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ))[التوبة:43] وغير ذلك، فهذه أمور وقعت في التعامل، أما في البلاغ عن الله فهم لا يخطئون.إذاً: من يقول: إن فلاناً معصوم -وهو كلام
الروافض- سببه أن
الرافضة في الحقيقة يؤلهون أئمتهم كما فعل
النصارى مع بعض الرسل، كيونس وغيره، وإلى الآن يعتقد
الكاثوليك أن البابا معصوم، وكل ما يفعله البابا وحي من الله! تعالى الله عما يصفون، وهذا واضح الكذب، وهو باطل وبهتان وليس من دين الإسلام في شيء، وأول من يقر ببطلان وكذب كلام
الرافضة هو
علي رضي الله تعالى عنه وآل بيته الأئمة، فإنه ما منهم من أحد إلا واعترف أنه أخطأ أو تأسف على ما فعل، فقد تأسف
علي رضي الله تعالى عنه على ما وقع مع أهل
الشام من قبول التحكيم؛ لأنهم أرغموه عليه، و
الحسين رضي الله تعالى عنه تأسف أيضاً لأنه قبل كلام أهل
العراق لما كتبوا له يعدونه بالنصر فلم ينصروه، فهم يعترفون بخطئهم ويعلمون أنهم بشر، بل لو كانوا معصومين وفعلوا هذه الأفعال لكان ذلك من أكبر الطعن فيهم؛ لأن المعصوم لا يخطئ، والمعصوم -كما تقول
الرافضة - يعلم الغيب، فإذا كان يعلم الغيب ولا يخطئ ثم يفعل هذه الأعمال، ثم يندم عليها، فهذا دليل على أنه لا يستحق الإمامة مطلقاً أو أنه غير معصوم، وكلاهما باطل. إذاً: فكلام الأئمة المحدثين ليس شبيهاً ولا قريباً من كلام
الروافض، فهم لم يقولوا: إن أحداً من الرواة معصوم أبداً، وإنما يقولون: ثقة ثبت إلى آخره.